سورة الأعراف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

المص [١]

تفسير الأية 1: تفسير الجلالين

{ المص } الله أعلم بمراده بذلك .

كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ [٢]

تفسير الأية 2: تفسير الجلالين

هذا { كتاب أنزل إليك } خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم { فلا يكن في صدرك حرج } ضيق { منه } أن تبلغه مخافة أن تكذب { لتنذر } متعلق بأنزل أي للإنذار { به وذكرى } تذكرة { للمؤمنين } به .

اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [٣]

تفسير الأية 3: تفسير الجلالين

قل لهم { أتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم } أي القرآن { ولا تتبعوا } تتخذوا { من دونه } أي الله أي غيره { أولياء } تطيعونهم من معصيته تعالى { قليلا ما تَذَّكَّرون } بالتاء والياء تتعظون وفيه إدغام التاء في الأصل في الذال، وفي قراءة بسكونها وما زائدة لتأكيد القلة .

وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ [٤]

تفسير الأية 4: تفسير الجلالين

{ وكم } خبرية مفعول { من قرية } أريد أهلها { أهلكناها } أردنا إهلاكها { فجاءها بأسنا } عذابا { بياتا } ليلا { أو هم قائلون } نائمون بالظهيرة والقيلولة استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم أي مرة جاءها ليلا ومرَّة جاءها نهارا .

فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [٥]

تفسير الأية 5: تفسير الجلالين

{ فما كان دعواهم } قولهم { إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين } .

فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [٦]

تفسير الأية 6: تفسير الجلالين

{ فلنسألن الذين أرسل إليهم } أي الأمم عن إجابتهم الرسل وعملهم { ولنسألن المرسلين } عن الإبلاغ .

فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [٧]

تفسير الأية 7: تفسير الجلالين

{ فلنقصَّن عليهم بعلم } لنخبرنهم عن علم بما فعلوه { وما كنا غائبين } عن إبلاغ الرسل والأمم الخالية فيما عملوا .

وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [٨]

تفسير الأية 8: تفسير الجلالين

{ والوزن } للأعمال أو لصحائفها بميزان له لسان وكتفان كما ورد في حديث كائن { يومئذ } أي يوم السؤال المذكور وهو يوم القيامة { الحق } العدل صفة الوزن { فمن ثقلت موازينه } بالحسنات { فأولئك هم المفلحون } الفائزون .

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ [٩]

تفسير الأية 9: تفسير الجلالين

{ ومن خفّت موازينه } بالسيئات { فأولئك الذين خسروا أنفسهم } بتصييرها إلى النار { بما كانوا بآياتنا يظلمون } يجحدون .

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [١٠]

تفسير الأية 10: تفسير الجلالين

{ ولقد مكَّناكم } يا بني آدم { في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش } بالياء أسبابا تعيشون بها جمع معيشة { قليلا ما } لتأكيد القلة { تشكرون } على ذلك .

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [١١]

تفسير الأية 11: تفسير الجلالين

{ ولقد خلقناكم } أي أباكم آدم { ثم صوَّرناكم } أي صورناه وأنتم في ظهره{ ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } سجود تحية بالانحناء { فسجدوا إلا إبليس } أبا الجن كان بين الملائكة { لم يكن من الساجدين } .

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [١٢]

تفسير الأية 12: تفسير الجلالين

{ قال } تعالى { ما منعك أن } { لا } زائدة { تسجد إذ } حين { أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } .

قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [١٣]

تفسير الأية 13: تفسير الجلالين

{ قال فاهبط منها } أي من الجنة وقيل من السماوات { فما يكون } ينبغي { لك أن تتكبَّر فيها فاخرج } منها { إنَّك من الصاغرين } الذليلين .

قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [١٤]

تفسير الأية 14: تفسير الجلالين

{ قال أنظرني } أخرى { إلى يوم يُبعثون } أي الناس .

قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ [١٥]

تفسير الأية 15: تفسير الجلالين

{ قال إنك من المنظرين } وفي آية أخرى { إلى يوم الوقت المعلوم } أي يوم النفخة الأولى .

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [١٦]

تفسير الأية 16: تفسير الجلالين

{ قال فبما أغويتني } أي بإغوائك لي والياء للقسم وجوابه { لأقعدن لهم } أي لبني آدم { صراطك المستقيم } أي على الطريق الموصل إليك .

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [١٧]

تفسير الأية 17: تفسير الجلالين

{ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم } أي من كل جهة فأمنعهم عن سلوكه قال ابن عباس ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى { ولا تجد أكثرهم شاكرين } مؤمنين .

قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ [١٨]

تفسير الأية 18: تفسير الجلالين

{ قال اخرج منها مذءوما } بالهمزة معيبا أو ممقوتا { مدحورا } مبعدا عن الرحمة { لمن تبعك منهم } من الناس واللام للابتداء أو موطئة للقسم وهو { لأملأنَّ جهنم منكم أجمعين } أي منك بذريتك ومن الناس وفيه تغليب الحاضر على الغائب وفي الجملة معنى جزاء من الشرطية أي من تبعك أعذبه .

وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ [١٩]

تفسير الأية 19: تفسير الجلالين

{ و } قال { يا آدم اسكن أنت } تأكيد للضمير في اسكن ليعطف عليه { وزوجك } حواء بالمد { الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة } بالأكل منها وهي الحنطة { فتكونا من الظالمين } .

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ [٢٠]

تفسير الأية 20: تفسير الجلالين

{ فوسوس لهما الشيطان } إبليس { ليبدي } يظهر { لهما ما ووري } فوعل من الموارة { عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربُّكما عن هذه الشجرة إلا } كراهة { أن تكونا مَلَكَيْنِ } وقرئ بكسر اللام { أو تكونا من الخالدين } أي وذلك لازم عن الأكل منها في آية أخرى (هل أدلك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى) .

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [٢١]

تفسير الأية 21: تفسير الجلالين

{ وقاسمهما } أي أقسم لهما بالله { إني لكما لمن الناصحين } في ذلك .

فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ [٢٢]

تفسير الأية 22: تفسير الجلالين

{ فدلاهما } حطهما عن منزلتهما { بغرور } منه { فلما ذاقا الشجرة } أي أكلا منها { بدت لهما سوآتهما } أي ظهر لكل منهما قبله وقبل الآخر ودبره وسمي كل منها سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه { وطفقا يخصفان } أخذ يلزقان { عليهما من ورق الجنة } ليستترا به { وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما...

قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [٢٣]

تفسير الأية 23: تفسير الجلالين

{ قالا ربَّنا ظلمنا أنفسنا } بمعصيتنا { وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } .

قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ [٢٤]

تفسير الأية 24: تفسير الجلالين

{ قال اهبطوا } أي آدم وحواء بما اشتملتما عليه من ذريتكما { بعضكم } بعض الذرية { لبعض عدوٌ } من ظلم بعضهم بعضا { ولكم في الأرض } مستقر } أي مكان استقرار { ومتاع } تمتع { إلى حين } تنقضي فيه آجالكم .

قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ [٢٥]

تفسير الأية 25: تفسير الجلالين

{ قال فيها } أي الأرض { تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون } بالبعث، وبالباء للفاعل والمفعول .

يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [٢٦]

تفسير الأية 26: تفسير الجلالين

{ يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا } أي خلقناه لكم { يواري } يستر { سوآتكم وريشا } وهو ما يتحمل به من الثياب { ولباس التقوى } العمل الصالح والسمت الحسن بالنصب عطف على لباسا والرفع مبتدأ خبره جملة { ذلك خيرٌ ذلك من آيات الله } دلائل قدرته { لعلهم يذَّكرون } فيؤمنون فيه التفات عن الخطاب .

يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ [٢٧]

تفسير الأية 27: تفسير الجلالين

{ يا بني آدم لا يفتننَّكم } يضلكم { الشيطان } أي لا تتبعوه فتفتنوا { كما أخرج أبويكم } بفتنته { من الجنة ينزع } حال { عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه } أي الشيطان { يراكم هو وقبيله } جنوده { من حيث لا ترونهم } للطافة أجسادهم أو عدم ألوانهم { إنا جعلنا الشياطين أولياء } أعوانا وقرناء { للذين لا...

وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [٢٨]

تفسير الأية 28: تفسير الجلالين

{ وإذا فعلوا فاحشة } كالشرك وطوافهم بالبيت عراة قائلين لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها فنهوا عنها { قالوا وجدنا عليها آباءنا } فاقتدينا بهم { والله أمرنا بها } أيضا { قل } لهم { إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } أنه قاله، استفهام إنكار .

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [٢٩]

تفسير الأية 29: تفسير الجلالين

{ قل أمر ربي بالقسط } بالعدل { وأقيموا } معطوف على معنى بالقسط أي قال أقسطوا وأقيموا أو قبله فاقبلوا مقدرا { وجوهكم } لله { عند كل مسجد } أي أخلصوا له سجودكم { وادعوه } اعبدوه { مخلصين له الدين } من الشرك { كما بدأكم } خلقكم ولم تكونوا شيئا { تعودون } أي يعيدكم أحياء يوم القيامة .

فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [٣٠]

تفسير الأية 30: تفسير الجلالين

{ فريقا } منكم { هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله } أي غيره { ويحسبون أنهم مهتدون } .

00:00